موضوع: محبته الله عزوجل والفوز بها الأحد يناير 09, 2011 10:55 pm
إن محبة الله عز وجل هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها نظر العاملون، وإلى عَلَمِها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبُّون، وبروْح نسيهما ترّوح العابدون؛ فهي قُوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَن عدِمه حَلَّتْ بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام. إنها المحبة التي ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب.
وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة، أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة!!.
شجرة المحبة وارفة الظلال إذا غُرست شجرة المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب، أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى. لا يزال سعي المحب صاعدًا إلى حبيبه لا يحجُبُه دونه شيء {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24]. وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54]. وفي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين". وفي الصحيحين أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله! والله لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يا عمر، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك". فقال: والله لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم:" الآن يا عمر". ومعلوم أن محبة الرسول تابعة لمحبة الله عز وجل، فما الظن بمحبة الله عز وجل؟! وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:10]. قال ابن عباس في هذه الآية: كانت المرأة إذا أتتِ النبي صلى الله عليه وسلم لتُسْلِم؛ حلّفها بالله ما خرجت من بغض زوج إلا حبًّا لله ورسوله. وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كُن فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يُقذف في النار". وعن معاذ - في حديث اختصام الملأ الأعلى – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة - يعني في المنام – فذكر الحديث. وقال في آخره: "قال: سل. قلتُ: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها حقٌّ فادرسوها، ثم تعلموها" [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].